العنف الاسري يلاحقنا في المهجر

0 554

بقلم: نور غازي

 

منذ الاف السنين وفي حضارة ما بين النهرين أُعتبرت المرأة رمزاً مقدساً كالآلهة عند البابليين مثل الالهة عشتار رمزاً للحب والجمال. هذا ووصلت المرأة أيضاً إلى درجات عالية ومرموقة في المجتمع لتصنف كملكة مثل شبعاد في بلاد سومر وسميراميس في بابل.

في حين كانت العائلة تعتبر اساس المجتمع العراقي القديم وللمرأة دور اساسي في هذه الاسرة. ولكن في مراحل الحروب والدمار التي تعرض لها العراق وخاصتاً في الاونة الاخيرة أدى الى تغير مفهوم العائلة والاسس التي تُبنى عليها. فبعد ان كانت المرأة مسؤولة بشكل كبير على تدبير أمور المنزل فقط (ما بين تنظيف المنزل، طهي الطعام، ورعاية الاطفال)، فأن عصر السرعة طور من دور المرأة ليصبح دورها يشمل ايضاً العمل لأعانه شريك حياتها على مصاعب الحياة ورفع العبأ المتعلق بالمصاريف ومتطلبات المنزل.

من ناحية أُخرى، هنالك فئة يكاد البعض أن ينسى انهم لايزالون يُدرجون تحت مسمى (العراقيين) اللذين عانوا اقسى درجات الطائفية خارج أوطانهم في حين ينتظرون العودة بفارغ الصبر متى ما أُتيحت لهم الفرصة الا وهم اللاجئين. فلماذا نسينا تسليط الضوء على معاناتهم خارج وطنهم الام بينما انشغلنا بالتصور داخل مخيلاتنا بأن أغلب العراقيين وصلوا الى الولايات المتحدة الامريكية لينعموا بالحياة الكريمة إلى الابد؟ بل وهنالك من يتصور إن اللاجئين خارج أوطانهم يتمتعون بحقوق تضمن لهم سد إحتياجاتهم على طبقٍ من ذهب؟

في حين نسيَّ أغلبهم أن يسألوا السؤال البسيط للتعرف على أحوال اللاجئين، وبالأخص عن المرأة.

فبعد المعاناة برحلةٍ طويلةٍ وشاقة إلى المجهول، أصبحت المرأة العراقية تواجه صعوبة العيش في أوطان الغرب بعيداً عن الأهل والاصدقاء.

ومن ناحية أُخرى، تعتبر هي الأهم، هنالك الكثير منهن يعاني من عدم فهم حقوقهن الاجتماعية في بلد تكاد ان تفهم لغته. فقد شهدت الولايات المتحدة الامريكية الكثير من قضايا العنف الأُسري التي تواجهها المرأة العراقية بالتحديد. ففي بعض الاحيان، تعتبر المرأة العنف الأُسري جزءاً من تقاليد المجتمع العراقي التي لابد ان تعيش فيه الى الأبد وتتكتم على الأمر في مجتمع لا يتقبل الإساءة للمرأة بأي شكل كان. فقد أخفق العديد من النساء بالفصح عن هذه المشاكل والوقوف بوجه الظلم.

واحدة من الحالات التي تشهدها الولايات المتحدة الامريكية اليوم، وبالتحديد ولاية أريزونا هي قضية المرأة العراقية الصيدلانية آيات الجبوري. فهي أحد ضحايا العنف الأُسري في أمريكا ولٰكن ذات طابع مختلف عن قضايا العنف الأُسري التي شهدناها سابقاً. آيات وفي كل مرة تعرضت بها للعنف من قبل شريك حياتها، رفضت الاتصال بالسلطات الحكومية في أمريكا خوفاً منها على سمعة زوجها المهنية مُدرِكتاً إن النتيجة ستكون خسارة فادحة لزوجها التي من الممكن أن تؤدي الى الطلاق لاحِقاً. والصدمة الحقيقية كانت عند معرفتها بأن زوجها قام برفع دعوة ضدها في المحكمة زاعماً انه يتعرض الى العنف الأُسري من قبل زوجته. في حين إن آيات عانت الكثير خلال الاشهر الاخيرة خاصتاً عندما قام زوجها بكسر يدها نتيجة خلاف نشب بينهم. وعندما سألها الدكتور في المشفىٰ عن سبب الكسر، إدَّعَت آيات بأنها إنزلقت في الحمام، في حين لم يكن الدكتور مقتنعاً بالقصة تماماً مدركاً ان هذا النوع من الكسور ينشب عن تصرف متعمد.

آيات ستضطر إلى الوقوف في المحكمة للدفاع عن حقوقها إذ أنها اليوم في أتم الاستعداد. في مكالمتي الاخيرة هاتفياً معها، تكلمت آيات عن مدى المعاناة التي مرت بها والتي بدأت بعد دقائق فقط من الزواج. حيث افصحت عن أول صفعة تلقتها من زوجها وهي لاتزال في فستان الزفاف، عروسة ولكن بعيدة كل البعد عن الاهل والاصدقاء. وفي نصيحة رغبت آيات ان تصل الى كل امرأة تعاني من العنف الاسري “أتمنى من كل أمرأه تعرضت للتعنيف بأن تتكلم وان لا تلتزم الصمت خوفاً من نضرة المجتمع ووصمة العار التي يضعها على المرأة حين تطالب بحقوقها”.  هذه النضرة من قبل المجتمع ماهي إلا تشجيعاً للجاني على الاستمرار في تعنيفه للمرأة مدركاً بأنها عير قادرة على الثورة حتى وإن كانت في مجتمعٍ يضمن حقوق المرأة كاملة. حين تعتبر العديد من الفتيات بأن آيات ايقونة الجمال والثقافة حيث ان لديها الالاف من المتابعين على صفحتها على الانستغرام اللذين تفاجئوا بتصريحاتها عن تعنيفها من قبل زوجها، إذ اعتبرهم العديد رمزاً للحب المثالي.

آيات فقط قصة واحدة ضمن سلسلة العديد من قصص التعنيف سواءً داخل او خارج العراق. ولكن شجاعتها في ثورتها ضد الظلم ماهي الا الخطوة الاولىٰ لأسترجاع حقوقها كاملة وايصال صوت المرأة. فصوتك عزيزتي هو نصف المجتمع. فأنت الأم والزوجة والأخت والصديقة، وأنت أساس المجتمع.

Loading

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.