الشيعة والحشد، قضية مصير
بقلم . سليم الحسني
بعبارات صريحة مباشرة، لا توجد ضمانة لحماية الشيعة من خطر الإرهاب والتآمر الدولي، سوى قوة الحشد الشعبي. وهذا ما تجسد عملياً بعد عام ٢٠١٤، فلو لا الحشد لكان قسم كبير من الشيعة يعيشون في مخيمات النازحين، ولكانت بناتهم سبايا تباع وتشترى في نخاسة داعش والدول الخليجية، ولقضى شبابهم ذبحاً على أيدي الإرهابيين.
ليس في هذا الكلام مبالغة متشائمة، فلقد كادت الكارثة أن تقع لو لا أن تفادها المرجع الأعلى السيد السيستاني بفتوى الجهاد الكفائي، فاعتدل ميزان القوى، ثم مال لصالح القوات المسلحة العراقية من الحشد والجيش، حتى تم إنهاء دولة داعش التي أرادتها أمريكا وإسرائيل والمحور الخليجي أن تكون أداة ضرب الشيعة وتدميرهم.
لكن الانتصار الكبير الذي حققته فصائل الحشد الشعبي، لم يصل الى النهاية الحاسمة، وكان ذلك بسبب الإصرار الأمريكي على إضعاف الشيعة وإنهاء قوتهم الميدانية.
فبعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي وتحرير الأراضي العراقية على يد الحشد الشعبي والقوات المسلحة، برزت المؤشرات واضحة بأن أمريكا ـ ومحورها الخليجي ـ لن ترضى بواقع ما بعد التحرير، وأنها بصدد إعادة صياغة مشروعها بشكل جديد، للوصول الى هدف إضعاف الشيعة بضربة قاصمة. وكان ذلك واضحاً من خلال السعي الحثيث لإنهاء تشكيلات الحشد الشعبي، وجاءت الخطوات الأولى بمحاولات رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي التي كانت تنفيذاً طيّعاً للإرادة الأمريكية.
مع فشل العبادي في الوصول الى ولايته الثانية، أجرت أمريكا تعديلاً اضطرارياً على خطتها في إنهاء الحشد الشعبي، وكان ذلك بسبب القوة البرلمانية للحشد التي تعيق تمرير قرار حلّه أو إضعافه، فلجأت الى استغلال ضعف رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي، في توجيه ضربات عسكرية لمعسكراته، والسماح لإسرائيل بتنفيذ عدد من تلك الضربات. وكانت أمريكا مطمئنة الى أن عبد المهدي لن يتخذ أي خطوة تحمي الحشد الشعبي، وأن غاية ما تصل قواه ستكون تصريحات باردة لا تمشي على الأرض. وهذا ما تأكد في العدوان الأخير على معسكر الحشد الشعبي في القائم، فقد أبلغ المسؤولون الأمريكان رئيس الوزراء بعزمهم على توجيه الضربة، فكان جوابه أشبه بمتفرج محايد لا شأن له بما سيحدث. (ليس مستبعداً أن تهرب رئيس الجمهورية برهم صالح من تكليف رئيس وزراء جديد، كان ضمن تنسيق مع أمريكا، ريثما يتم توجيه الضربة وعادل عبد المهدي في الحكم).
إن التعديل الذي أجرته أمريكا على خطتها في ضرب الشيعة، أخطر بكثير من خطتها السابقة على عهد العبادي، لأنها انتقلت من الاعتماد على القرار السياسي الى الفعل العسكري المباشر ضد الحشد الشعبي، ولأنها تجاوزت دائرة الضغط على الحكومة الى تهييج الشارع ضد الحشد، عن طريق الموالين لها والمتوغلين في التظاهرات الجماهيرية.
إن الجهد المكثف لإنهاء الحشد الشعبي، تراه أمريكا مقدمة ضرورية لتدمير الشيعة والقضاء على قوتهم الميدانية، وبذلك تتم إعادة التاريخ وبأسوأ من السابق، حيث يقبع الشيعة في المناطق الهامشية منشغلين بمشاكل النزوح وهواجس الخوف وفواجع الموت.