التطرف المذهبي والفوضى السياسية

0 103

بقلم: محمد رسول

ما هو نظام الحكم في المجتمعات التعددية؟ هذه واحدة من أبرز الأشكالات التي تثار حول الفكر السياسي الاسلامي، فما هو نظام الحكم في المجتمعات المتعددة في الأديان والمذاهب، حيث هنا تبرز ضرورة الاصلاح الديني، والحاجة الماسة الى تجديد الفكر السياسي الاسلامي من اجل ايجاد حلقة رابطة بين مجتمع خليط من جماعات متدينة تؤمن بضرورة الحكم الديني القائم على اساس ولاية الحاكم الشرعي الذي يستمد سلطته من الكتاب والسنة، وجماعات اخرى تختلف في المذهب او الدين تؤمن بالنظام الديمقراطي القائم على اساس الانتخابات الحرة.

وتعد التجربة العراقية بعد نهاية النظام الديكتاتوري واحدة من أبرز النماذج التي واجهت الاشكالية المطروحة، ففي الانتخابات التي اقيمت في كانون الثاني / يناير ۲۰۰5 وما تلاها من نقاشات حول المبادئ المؤسسة للدستور العراقي الجديد، كانت التعليقات واسعة جدا حول قضايا العلاقة بين الدين والدولة والسياسة، من قبل الاحزاب السياسية والشخصيات الدينية ان كان ثمة ما يمكن الاتفاق حوله من قبل هؤلاء المعلقين فهو الرفض القاطع للعلمانية، فقد اكد( سلمان الدليمي المتحدث باسم المؤتمر السني، على أن الفصل بين الدولة والدين يعارض الثقافة الاسلامية التي ولدنا عليها.

الأمر مشابه عند (ابراهيم الابراهيمي)، الوكيل عن آية الله (اسحاق الفياض) والذي حدد ملامح التوجه السياسي للمجتمع العراقي، ذي الغالبية الشيعية، فقد ادلى بتصريح قائلا: أنّ جميع العلماء وغالبية الشعب العراقي، يريدون مجلسا وطنيا لجعل الاسلام مصدرا للتشريع في الدستور ولرفض اي قانون يتعارض مع الاسلام، ثم أضاف: اننا نحذّر المسؤولين من فصل الدين عن الدولة لان هذا مرفوض تماما من قبل العلماء، ولن تقبل اية مساومة بهذا الشأن.(نادر هاشمي ، الاسلام والعلمانية والديمقراطية الليبرالية، ص  ۲۷۷-۲۷۸).

 بينما كان موقف الاكراد منافيا لموقف اغلبية العرب المسلمين، حيث ابدی (جلال الطالباني) بأنه نحن الكرد لن نقبل بتأسيس نظام اسلامي في العراق.

لهذا فقد دعا السيد السيستاني الى عدم اقامة دولة اسلامية تقوض اسس الشرعية الدينية، وعلى ذلك رفض الانخراط في الادارة اليومية للشأن السياسي (اوليفيه روا ، الاسلام والعلمانية، ترجمة : صالح الأشمر ، ط 1 ، دار الساقي ، بيروت ، ۲۰۱۶ ، ص ۱۱۱) . بل جعل من الانتخابات وكتابة الدستور امرا واجبا على العراقيين من أجل تحديد مصيرهم، وكانت فتاواه كلها تدل على ضرورة اقامة دولة مدنية تستمد شرعيتها من الشعب قائمة على اساس انتخاب الجماهير الشعبية لممثلين ينوبون عنهم في البرلمان.

ومن أجل حل الأزمة الاجتماعية والسياسية التي يفرضها الواقع التعددي للشعب العراقي، لجأ السيستاني الى الأدلة الثانوية في الأحكام الشرعية، واشغالا لمنطقة الفراغ المتروكة لصلاحيات الفقيه، أفتی بإقامة دولة مدنية، وهي بذلك تمثل نوعا من انواع العلمانية، كما هو الحال في بداية الديمقراطيات الأوربية التي طبّقت النظام العلماني الذي يقوم على اساس حرية الانسان واختياره، شريطة المحافظة على الدين العام للدولة.

ووفقا لذلك تمت صياغة الدستور العراقي باشراف مباشر من قبل المرجعية العليا، بحضور نواب ممثلين عن شخص السيد السيستاني، كان منهم السيد احمد الصافي، والشيخ جلال الدين وهمام حمودي…) وقد نص الدستور على بنود تنظم الحياة الاجتماعية داخل المجتمع العراقي المتعدد الاديان والطوائف،  قائمة على اساس ضمان حقوق الاقليات والتعايش السلمي، ومنع انتهاك مقدسات ورموز اية جهة دينية سماوية كانت ام ارضية.

ومما جاء في كلام السيد السيستاني حول الوحدة الاسلامية ونبذ الفتنة الطائفية:

بسم الله الرحمن الرحيم

( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)

تمرّ الأمة الاسلامية بظروف عصيبة و تواجه أزمات كبرى و تحدّيات هائلة تمسّ حاضرها و تهدّد مستقبلها، و يدرك الجميع ـ و الحال هذه ـ مدى الحاجة الى رصّ الصفوف و نبذ الفرقة والابتعاد عن النعرات الطائفية و التجنّب عن إثارة الخلافات المذهبية، تلك الخلافات التي مضى عليها قرون متطاولة و لا يبدو سبيل الى حلّها بما يكون مرضيّاً و مقبولاً لدى الجميع ، فلا ينبغي اذاً إثارة الجدل حولها خارج إطار البحث العلمي الرصين، و لاسيما انها لا تمسّ أصول الدين و اركان العقيدة ، فان الجميع يؤمنون بالله الواحد الأحد و برسالة النبي المصطفى صلى الله عليه و آله و بالمعاد و بكون القرآن الكريم ـ الذي صانه الله تعالى من التحريف ـ مع السنة النبوية الشريفة مصدراً للأحكام الشرعية و بمودة أهل البيت عليهم السلام، و نحو ذلك مما يشترك فيها المسلمون عامة و منها دعائم الاسلام : الصلاة و الصيام و الحج و غيرها.

فهذه المشتركات هي الاساس القويم للوحدة الاسلامية ، فلا بدّ من التركيز عليها لتوثيق أواصر المحبة و المودة بين أبناء هذه الأمة، و لا أقل من العمل على التعايش السلمي بينهم مبنياً على الاحترام المتبادل و بعيداً عن المشاحنات و المهاترات المذهبية و الطائفية أيّاً كانت عناوينها.

فينبغي لكل حريص على رفعة الاسلام و رقيّ المسلمين أن يبذل ما في وسعه في سبيل التقريب بينهم و التقليل من حجم التوترات الناجمة عن بعض التجاذبات السياسية لئلا تؤدي الى مزيد من التفرق و التبعثر و تفسح المجال لتحقيق مآرب الاعداء الطامعين في الهيمنة على البلاد الاسلامية و الاستيلاء على ثرواتها .

و لكن الملاحظ ـ و للأسف ـ أن بعض الاشخاص و الجهات يعملون على العكس من ذلك تماماً و يسعون لتكريس الفرقة و الانقسام و تعميق هوة الخلافات الطائفية بين المسلمين، و قد زادوا من جهودهم في الآونة الأخيرة بعد تصاعد الصراعات السياسية في المنطقة و اشتداد النزاع على السلطة و النفوذ فيها، فقد جدّوا في محاولاتهم لإظهار الفروقات المذهبية و نشرها بل والاضافة عليها من عند أنفسهم مستخدمين أساليب الدسّ و البهتان لتحقيق ما يصبون اليه من الاساءة الى مذهـب معين و التـنقيص من حقوق أتباعه و تخويف الآخرين منهم. (بيان مكتب سماحة السيد (دام ظله) حول الوحدة الاسلامية ونبذ الفتنة الطائفية

١٤ محرم ١٤٢٨)

لذلك يعد كل عمل يمس دين او ثقافة او حضارة أحد مكونات الشعب العراقي هو تعدي على الدستور وانتهاك حرمة بنوده التي تنص على ضرورة التعايش السلمي، ويعتبر أي استفزاز طائفي لجهة ما هو حث صريح على اثارة النعرة الطائفية التي تفكك اواصر المجتمع وهي مخالفة لدعوى المرجعية الدينية في ضرورة التعايش السلمي واحترام الاخر وما يمثله من عقائد او رموز او حضارة.

للاشتراك معنا بقناة التلجرام اضغط هنا👇

‏https://t.me/alburaqnews

Loading

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.