نقد الاسس المنهجية عند محمد عابد الجابري

0 266

الكاتب: محمد رسول

يبدو واضحاً للباحث في اغلب المواضيع التي تناولها الجابري في مشروعه تحيزاته الدينية، الطائفية والحزبية على حساب الحقيقة والواقع، فان البحث بموضوعية مجردة عن أي توجه وانتماء أمر يصعب تحقيقه لا سيما والسيرة الخاصة للجابري تخبرنا عن علاقته الوطيدة بحكومات العرب القائمة.

وهو مُلتزم بالخطوط العامة لعدم المساس بالسياسة القائمة من هذه الجهة، وعن انتمائه الى اهل السنة والجماعة من ناحية العقيدة من جهة أخرى، فيكون ملتزماً ايضاً في عدم المساس بما يتناقض او يتعارض مع التراث السني ولو بالأمور المفصلية فقط، وهذا ليس ببعيد بل صرّح الجابري على أنه لا يخلو بحث من الأدلجة فليس ثمة موضوعية صرفة محايدة في الأبحاث والدراسات.

فعندما يبحث الجابري شرعية السلطة في الاسلام مثلاً، ارجعها الى اللحظة الأولى لوفاة النبي، الا ان تعصبه المذهبي الذي حال بينه وبين الموضوعية العلمية جعله يتجاوز مدة الخلافة الراشدة، بينما أن أصل مشكلة الأمامة وشرعية الخلافة يكمن في تلك اللحظة ذاتها، أي بعد وفاة النبي، فلو كان الأمر شورى لماذا لم يشر النبي الى خليفته اذا سلمنا بأن الأمر متروك للأمة، فلماذا لم يشر النبي الى الأمة لا بصيغة الأمر الإلهي اللازم التطبيق، بل من حيث كونه ناصح فهو اعلمهم وادراهم بمصالحهم ومفاسدهم؟ فكيف يوصي أبا بكر بخليقته ولم يوصي النبي بذلك؟ لا سيما وأن الله قد أمر النبي بقوله: وشاورهم في الأمر، فهذه المشورة لاعلى نحو الإلزام بل النصح والارشاد، وفي التراث الحديثي والروائي ذلك: فان النبي كان يرشد الناس ويعلمهم فيما يتعلق بأمور دنياهم على سبيل النصح والارشاد والموعظة غير الملزمة شرعاً، وقد ربط الجابري موضوع الشرعية بموضوع الإستعداد الا انه قد قفز مرحلة الخلافة الراشدة، الى مرحلة المُلك السياسي في التاريخ الإسلامي، مستنداً بذلك الى حديث نبوي “الخلافة في امتي ثلاثين سنة ثم تكون ملكا بعد ذلك”، وهذا واحد من أهم التناقضات التي وقع فيها، فمن جهة يقول بأنه لا يوجد في الكتاب و السنة ما يثبت وجود شكل دولة في الاسلام وانما الأمر متروك للأمة وهذا الكلام سليم، ومن جهة ثانية يستند الى حديث نبوي غير ثابت، يعتبره دليلاً شرعياً على صحة الواقع التاريخي للخلافة الإسلامية بينما الواضح من منطوق الحديث على فرض ثبوته سنداً ودليلاً، أنه على نحو الأخبار والتنبوء للمستقبل وليس فيه أمضاء ومقبولية من قبل النبي وعليه لا يصح جعل ذلك الحديث دليلاً على شرعية الواقع.

 بينما يعتقد الجابري أن حكومة معاوية بن أبي سفيان تكتسب شرعيتها الدينية ليس من البيعة التي كانت بالأجماع، حتى سمي عام توليه وتنازل الحسن له بعام الجماعة بل ايضاً وهذا هو الأهم أنها جاءت موافقة لقضاء الله وقدره وتصديقاً لما سبق أن أخبر به رسول الله.

ان مثل هذه الاستدلالات الواهية لا يمكن أن تُنسب الى أبسط باحث، وليس الى مفكر كبير حمل على عاتقه تبني مشروع ضخم كمشروع (نقد العقل العربي)! فكيف يصح بأن الإخبار بوقوع شيء دليل على امضاءه وقبوله، فعندما يخبر الله سبحانه في كتابه الكريم عن وقوع شيء ما، هل هو دليل على امضاءه وقبوله؟ او يمده بشرعية الوقوع؟.

هذا وعندما يبحث الجابري فقه السياسة الشرعية، اذ يرى انه قد ولد من رحم الحديث النبوي، مثله مثل فروع الفقه الأخرى، حيث الحديث هو المرجعية الوحيدة التي تتلمس منها الشرعية الدينية للحاكم وهذا ما فتح الباب على مصرعيه للوضع والدس والتحريف والتأويل للحديث النبوي حيث كل فرقة او حزب وحاكم او خليفة اخذ يروي من الحديث ما يضفي به الشرعية على موقفه السياسي.

رغم أنه قد اتبع نفس ذلك الأسلوب بتجيير الحديث النبوي من اجل اضفاء الشرعية لخلافة معاوية تماشياً مع توجهاته المذهبية والطائفية، فضلاً عن عدم وثوقه بأسانيد الأحاديث النبوية، وقد استشهد عندما أضطرته الضرورة، من أجل اثبات شرعية الحكم لمعاوية، وهكذا يبدو مشروع النقد متناقض، فهو كلما أنجر وراء العصبية الدينية والطائفية كان ذلك على حساب الموضوعية العلمية وبالتالي الابتعاد عن اصابة الواقع، حتى يطرح التساؤل ماهي الجدوى من تأسيس مشروع لم يدرك الواقع؟ فما لم تتبين جذور اية اشكالية لايمكن الوصول الى حل جذري لها.

وبالتالي فالمناهج المتعصبة والمؤدلجة التي همها اضفاء الشرعية والغطاء على طائفة او حزب اكثر مما يهمها ادراك الواقع واصابته، فهي اقرب الى العقم منها الى اثمار حلول من شأنها حل الأزمة السياسية والثقافية والاجتماعية.

وبعد هذه التناقضات، عندما يبحث الجابري حول شرعية السلطة في الزمن المعاصرة يحاول اثبات عدم وجود دليل على شرعية ذلك في التراث الاسلامي واخذها كمسلمة، وبناء على ذلك فهو لا يجد حرجاً في ان تستمد النظم المعاصرة الوطن العربي شرعيتها من النظام الديمقراطي، وكأن الاسلام عاجز عن وضع اطروحة خاصة به، فأن الرؤية الواضحة للأمور أخذت تفرض نفسها، فأن الوضع الذي ألت اليه المشكلة الفلسطينية واللبنانية …الخ، تفرض اليوم طرح مسألة القومية والمسألة الأجتماعية.

في مشروعي الجابري وطرابيشي يعاني الوطن العربي من مشاكل تاريخية ملازمة لطبيعة الدول العربية الراهنة.

وواضح أن الجابري عندما أراد أن يثبت شرعية حكومة معاوية لجأ الى الحديث النبوي واعتبره امضاء وموافقة لقضاء الله وقدره، وعندما واجه الواقع العربي المعاصر وأزماته أصبح مضطراً إلى القول بضرورة النظام الديمقراطي وحق اختيار الشعب للحكم دون الرجوع الى موقف الشريعة من ذلك!.

هذه الارتباكات الواضحة سببها مشكلات المنهج الذي يبني المثقف عليه مشروعه، فانَّ الادلجة الدينية او السياسية او الثقافية تنتهي لامحالة الى مشروع فكري خالي من الموضوعية، لان الاخيرة تقتضي موقف الحياد.

 وهذه الاخطاء كثير ما نجدها عند المثقف العربي خصوصاً، التي تأتي بعوامل مختلفة منها العصبية الدينية او الانتماء العرقي او الطائفي او السياسي، وتارة بدافع الطمع، هذا ما انتج لنا المثقف الخائن وبالتالي حكومات خائنة لا تُمثل رأي المجتمع وتطلعاته.

للاشتراك معنا بقناة التلجرام اضغط هنا?

https://t.me/alburaqnews

Loading

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.